22‏/12‏/2017

حسن أحراث// المحاكمة السياسية: لا مجال للحديث عن خرق "القانون"...

لنجهر بالحقيقة، ولو مرة...
يبذل بعض (أو كل) المحامين مجهودات جبارة (بحسن نية أو بدونها) لإبراز الخروقات "القانونية" إبان المحاكمات السياسية، ومنها محاكمة المعتقلين السياسيين في قضية انتفاضة الريف. 

وتراهم يناقشون محاضر الضابطة القضائية في الشكل (الدفوعات الشكلية) وفي المضمون، لإقناع رؤساء المحاكم بالتجاوزات والخروقات التي شابت هذه المحاضر، وكأن هؤلاء الرؤساء يجهلون ذلك أو عاجزون عن فهم "طلاسم" وسياقات وملابسات "الملفات" التي وضعت بعناية بين أيديهم، هم دون غيرهم. فمن ينكر التعذيب الجسدي والنفسي والاستفزازات والمضايقات والإهانة داخل المخافر والأقبية البوليسية؟ ومن ينكر ترهيب المعتقلين السياسيين وإجبارهم على توقيع محاضر الضابطة القضائية؟ فهل تلغى المحاضر إذا تبث التعذيب (كما ينص على ذلك "القانون")؟ إن المحاضر هي المحاضر (سواء وقعت أم لم توقع، أو تبث التعذيب أو لم يتبث)، والأحكام هي الأحكام الجاهزة (سواء كان المحامي على حق أم على "باطل").
وبغض النظر عن التوظيف السياسي لمأساة المعتقلين السياسيين ومعاناة عائلاتهم من طرف بعض المحامين (المرتزقة) وحتى من طرف بعض الجهات السياسية البغيضة والانتهازية (رجعية وإصلاحية) التي تستغل حالة ضعف/انهيار أو وضعية انكسار المعتقل السياسي أو عائلته وحرقتها أمام معاناة ابنها (ابنتها)، لابد من الوقوف (باقتضاب) عند بعض النقط ذات الدلالة الكبيرة:

النقطة الأولى:
إن "القانون" يعكس دائما مصالح الجهة السياسية السائدة طبقيا، أي النظام القائم. لقد وضع "القانون" بإحكام وعلى المقاس لهذه الغاية بالضبط، من طرف هذه الجهة ولصالحها. ويمكن تطويعه، طولا وعرضا ووفق موازين القوى القائمة في اللحظة السياسية التي تشهد المحاكمة الصورية، لأداء هذه الوظيفة "التحكيمية" الشكلية؛

النقطة الثانية:
إن المحاكمة السياسية ليست سوى آلية ل"شرعنة" القمع والاضطهاد. ففي ظل قضاء غير نزيه وغير مستقل، وفي غياب ديمقراطية حقيقية، تسود التعليمات بعيدا عن "القانون" وقريبا منه (الأمر سيان). وفي أحسن الأحوال تطويعا له، وهو ما نسميه بالمحاكمة/المحاكمات الصورية. أي أن الأحكام تكون جاهزة ومدروسة، ويكفي إعلانها أمام الملأ في إطار الطقوس الجاري بها العمل؛
والخطير أن المحامين يساهمون (بوعي أو بدونه) في حبك فصول المسرحيات المسماة محاكمات، لإضفاء طابع الديمقراطية عليها (المحاكمة العادلة). وقد علمتنا التجربة أن حضور المحامي إبان المحاكمات السياسية يكاد يكون كغيابه. والمعتقل السياسي في هذه الحال ليس قاصرا أو جاهلا بمتطلبات المحاكمة السياسية، إنه أولى أو أدرى بالدفاع عن نفسه وفضح المؤامرة التي تستهدفه. إنها المناسبة السياسية والإعلامية لتسجيل الموقف المناسب من طرف المعتقل السياسي وليس من طرف المحامي. فالأمر يهم المعتقل السياسي وليس المحامي.
إن المطلوب هو جعل المحاكمة السياسية محاكمة للنظام وللفساد والاستغلال والاضطهاد وللتردي الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فضح شعاراته (حرية الرأي والتعبير والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان...) وفضح التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون السياسيون داخل الأقبية والمخافر والسجون. وحتى خطوة "الاستئناف" أو "النقض والإبرام" لا معنى لها، مادامت الأحكام جاهزة ومعدة سلفا. وقد سبق لنا سنة 1984 نحن بعض المعتقلين السياسيين (رفاق الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري، مجموعة مراكش- 84) أن رفضنا مسطرة "النقض والإبرام" كموقف سياسي للتعبير عن صورية المحاكمة وعن عدم ثقتنا في "عدالة" النظام أو في إنصافه؛

النقطة الثالثة:
لا معنى لانتظار "براءة" المعتقل السياسي (المتهم). وأتحدث هنا عن المعتقل السياسي المناضل. فهذا الأخير يناضل ضد النظام القائم، ومن الطبيعي/البديهي أن يلجأ الى كل الأشكال النضالية. ومعلوم أن الأشكال النضالية مجرمة باسم "القانون"، مما يعني أن المناضل مدان في كل الأحوال. وهو ما لا جدال فيه... المتهم (المناضل) مجرم بالنسبة للنظام، ومناضل (بريء) بالنسبة لأصحاب القضية التي يناضل من أجلها المناضل (المتهم). وما يحدد أو يحسم في مصير المعتقل السياسي هو موازين القوى السياسية والضغط الذي يمارس على النظام بالداخل والخارج. وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين لن يتأتى بغير النضال والمزيد من النضال وليس بالاستعطاف أو المناشدات أو طلبات العفو أو غيرها.
لا أفهم كيف يصرح المعتقل السياسي (المناضل) ببراءته في ظل "القانون" السائد!! 
المناضل الحقيقي ليس "بريئا" في ظل "القانون" السائد وفي أعين ومنطق واضعي هذا "القانون". ببساطة لأن هذا "القانون" يجرمه. وهذا "التجريم" يشرف المناضل ويعترف بنضاليته. باختصار شديد، إن المناضل يناضل ضد هذا "القانون" ولا يعترف به، مما يعني أنه لا مجال للحديث عن الإدانة أو البراءة باسم هذا "القانون" وفي ظله.
إن المحامين في آخر المطاف يزاولون مهنتهم (مهنة المحاماة) ويؤدون دورهم بمأساوية إبان المحاكمات السياسية. فهناك من يتقاضى أجره ماليا كمهني (محترف)، وهناك من يتقاضاه سياسيا (هناك طبعا من يتقاضاه ماليا وسياسيا). وما يشكر عليه المحامي النزيه والمبدئي هو فكه للحصار المضروب على المعتقلين السياسيين ومساهمته في فضح أشكال التعذيب والتضييق والاستفزاز وكشف الرغبة الجنونية في إقبار المناضلين وعزلهم عن شعبهم وقضيتهم وبالتالي طمس هويتهم السياسية...
والمعني بالموقف السياسي الواضح والمسؤول هو المعني بالأمر بالدرجة الأولى، أي المعتقل السياسي وليس المحامي. وكيف يقبل المعتقل السياسي المناضل بمحامي مرتزق أو مسخر؟ إنه سؤال لا يحتاج الى جواب... 
لنعد الى التاريخ والواقع، أين الأفواج "الثائرة" العديدة من المعتقلين السياسيين السابقين؟ إن ما مارسه بعض المعتقلين السياسيين السابقين في حق شعبنا يوازيه ما مارسه النظام، ومن بينهم "أبطال" ما سمي "هيئة الإنصاف والمصالحة" و"المجلس الوطني لحقوق الإنسان" الذين ارتموا في مستنقعات النظام وأدوا الكثير من الخدمات الخسيسة (الاستقطاب والإغراء والتشويش وتكسير المعارك النضالية داخل السجون وخارجها...). 
وبالمناسبة أيضا، نتساءل: أين الأفواج "الثائرة" العديدة من المناضلين السابقين؟
لنقل الحقيقة، ولو مرة...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق