06‏/11‏/2017

حمان الأطلسي// أزمة القيم من أزمة النظام؟!!

لقد أسهبت العديد من الفلسفات المثالية كل الإسهاب في تفسير القيم الأخلاقية منطلقا وممارسة، من زاوية مثالية ربطت فعلها بالذات الفردية ومصدرها بما هو
كلي، وإن اختلفوا في تحديد هذا الكلي. فعلى سبيل المثال ربط كانط الأخلاق بالعقل العملي الذي يعمل على رسم المقولات العقلية التركيبية للأخلاق. ولتنزيلها أعطاها صفة الواجب قافزا على الواقع الفعلي المعيش الذي يعتبر المصدر الحقيقي لهذه الأخلاق. فلو قرأنا كل فعل فردي من هذه الزاوية سنجد أنه فعل فردي شاد مقارنة مع الكلي المصدر. لكن ماذا لو كان الفعل وهو الواقع، تجلي حقيقي للأزمة التي يعيشها النظام القيمي، والذي هو في الأخير وجه للنظام السياسي في كليته؟ إن الأخلاق في الأول وفي الأخير ترجمة لما وصلت اليه العلاقات الاجتماعية التي تعبر عن علاقات الإنتاج القائمة. والقيم بهذا المعنى ليست سببا للممارسة، بل هي نتيجة تتغير بتطور هذا المجتمع، تتطور كما ونوعا وفق ما يتطلبه مستوى العلاقات الاجتماعية القائمة. إن القيم السائدة هي قيم الطبقة السائدة التي تتفنن في تزيينها بما يتوافق واللحظة الراهنة. فمثلا، كانت القيم في لحظة من التاريخ حيث كان النظام يسعى فيه للبحث عن الشرعية على المستوى الأخلاقي ذات طابع ديني بنكهة قبلية باعتبار القبيلة عنصر أسلوب الإنتاج الهجين الذي يميز طبيعة التشكيلة الاجتماعية للمجتمع، حيث الشاب يحترم الشيخ، وشيخ القبيلة يحترم من الجميع؛ كما فقيه القبيلة يحترم من الكل. لكن تطور العلاقات الاجتماعية سيلامس أن هذه الأخلاق لم تعد كليا صالحة. سيحتفظ طبعا بالجزء، وهكذا بتقدم الصراع تتطور معه منظومة القيم. وفي مثل هذا الوضع حيث تتعمق أزمة النظام بشكل كبير وبنيوي، من الطبيعي أن تتفشى المرضيات الاجتماعية والقيمية، حيث الكل معروض للبيع كسلع وقيم.. 
يسلك الفرد وفق ما يمليه عليه واقعه وليس ما يمليه عليه عقله الأخلاقي. يصادف أن يكون سلوكه متطابقا مع الواجب الأخلاقي، لكن في الحقيقة لم يختر أن يسلك هكذا حبا في الأخلاق، بل هي أخلاق لأنها تتطابق مع واقعية السلوك بالنسبة له. يصلي صباحا ثم يعد ولا يفي أو يغش في الامتحان. بعدها يصلي الظهر ثم ينام حالما بجسم فتاة عرض الأزياء. يستيقظ ويصلي العصر ويسمع أن تاجر مخدرات يسير شؤون بلدته ووطنه. يصلي المغرب والعشاء ويختم ليلته بقنينة خمر لينسى واقعه.. ألم يكن أخلاقيا؟ ألم يقم بواجبه الديني والأخلاقي؟ ماذا ننتظر من التلميذ الذي لم تعد تشكل المدرسة بالنسبة له إلا وجها آخرا لعقوبة الواقع؟ يتلقى الأخلاق لينسجم مع محيطه، هذا على الأقل المبرر الذي يعطى له. لا تسرق، لا تغش، لا تكذب، لا للعنف، لا... ويجد على أرض الواقع كل من فعل العكس هو الإنسان الناجح بالنسبة لعقلية المجتمع. المدرسة إيديولوجية مشوهة للواقع المشوه أصلا. نحن لسنا أمام جيل مشوه، بل نحن أمام واقع مشوه لجيل. لا أنفي مسؤولية الفرد طبعا من كل هذا، لكن أي واقع أعددناه لهذا الفرد لكي نحاسبه عليه؟
إن الأخلاق هي أول ما يتمرد عليه الفرد حين يصل وعيه للواقع الى التناقض معه. يسهل التمرد عليها، لأنها ببساطة ليست قوة وقناعة مادية عنده، ليست مستمدة من حقيقة واقعه. فقط الأخلاق الثورية التي يمكنها أن تحصنه، لأنها تمده بتفسير صحيح للواقع. تبني له السلوك وفق ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع في المستقبل. 
لنبن الأخلاق الثورية للجيل، وليس أن نبني الجيل بالأخلاق الراهنة...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق